recent
أخبار ساخنة

محاولة





سندات وظيفية خاصة الوضعية التعلمية الثانية: السياسة الاستعمارية في إفريقيا و آسيا

طرق ووسائل تنفيذ المخططات الاستعمارية


الطرق:
 
السند: 01
شهدت المناطق المستعمرة من قبل الاستعمار التقليدي أشكالا عدة للإدارة الاستعمارية، تمثلت في الحكم غير المباشر (إدارة محلية وسيطرة استعمارية الذي اتخذ أشكالا مختلفة مثل: الحماية والانتداب والوصاية .. اما الشكل الأخر من الحكم تمثل في الحكم المباشر والسيطرة الاستعمارية الإدارية الكاملة. وكانت فلسطين أحد الكيانات التي خضعت للانتداب البريطاني (1918-1948) الذي مهد الطريق أمام الحركة الصهيونية لتكون وجها استعماريا جديدا في فلسطين. 
أحمد قاسم حسين، الاتحاد الأوربي والمنطقة العربية: قضايا الإشكالية من منظور واقعي،ط1، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بیروت، 2021، ص 221.

السند 02
فضل الألمان والفرنسيون نظام الحكم المباشر في مستعمراتهم، حيث قاموا بمهام حكم الأفارقة بأنفسهم، ولعل من أبرز الأسباب التي دعتهم الى ذلك : عدم الاقتناع بالرؤساء التقليديين الذين مثلوا بالنسبة للعقل الاستعماري قوي رجعية سوف تقف عائقا أمام تلبية المصالح الاستعمارية، بالإضافة إلى توفير فرص عمل للمواطنين الفرنسيين والألمان، بما يقلل من حدة البطالة في الدولة الأم. وهكذا استند الفرنسيون في إدارة مستعمراتهم على نظام الحكم المركزي الموجه من باريس، وعلى نفس المفاهيم الإدارية التي كانت تسيطر على نظرتهم للحكومة في الداخل ، ورأوا عموما أنفسهم كزعماء جدد، وأنتجت الإدارة الفرنسية جيلا كاملا من حكام المستعمرات الذين كانوا يحكمون مناطقهم بيد من حديد. لقد حصل هؤلاء الرؤساء التقليديون مقابل خضوعهم لسياسات الحكم الاستعماري على الحماية، والعديـد مـن الهدايا، وتمثلت واجبـات الـرئيس التقليدي في اتخاذ القرارات، وجمع الضرائب، وتوفير العمالة الرخيصة إذا لزم الأمر، وأن يكون مسؤولاً بشكل مباشر أمام المسؤول أو المفوض المحلي (البريطاني)، وقد ادعى البريطانيون مرارا أن الحكـم غير المباشـر كـان يستهدف حماية النظام السياسي والاجتماعي والثقافي للمستعمرة، بيد أن منطق الأمور يشير إلى أن العقلية الاستعمارية البريطانية اتسمت بالبرجماتية الشديدة.. كان الحاكم التقليدي بمثابة حلقة وصل مهمة بين الشعب | الإفريقي والسلطات الاستعمارية لأنه يفهم لغة وثقافة شعبه،...كان على بريطانيا تقديم بعض التنازلات لتجنب الاصطدام | مع المجتمع المحلي، كما كانت تسعى إلى أن تحكم مستعمراتها بأقل تكلفة ممكنة، لهذا دائما ما كان ينظر إلى نهج الحكم الغير مباشر على أنه: " استعمار منخفض التكلفة.
حمدي عبد الرحمان، الدولة المستحيلة في افريقيا.. مسارات متناقضة، ط1، الآن موزعون وناشرون، عمان، 2020، ص 125








الوسائل

السند 04
 

السند05

ومما لا شك فيه أن الامتيازات الأجنبية التي حصل عليها الأوروبيون من السلاطين العثمانيين كانت واحدة من أخطر الثغرات التي تسلل منها الاستعمار الأوروبي الحديث إلى جسم العالم الإسلامي ليبدأ بضرب حصونه من الداخل، تمهيدا للتدخل العسكري المباشر، ذلك أن القوى الاستعمارية كانت قد سيطرت على تجارة الهند و شرقي آسيا من خلال شركة الهند الشرقية وبعدها شركة الهند الغربية التي خولت لها التحكم في مختلف الشواطئ والمرافئ الآسيوية الممتدة من جنوب بلاد فارس حتى بحر الصين، وفي مختلف سواحل إفريقيا وآسيا بدءا من الساحل المغربي على المحيط الأطلسي وصولا إلى رأس الرجاء الصالح، ومنه إلى السواحل الشرقية الإفريقية وسواحل شبه الجزيرة العربية
محمد زرمان، الاستعمار وتجزئة الأمة الإسلامية ، من نظام الخلافة الى سلطة القبيلة، دار الكتاب الثقافي، عمان، 2009، ص 37
"تزامن صدور وعد بلفور الذي زرع الكيان الصهيوني الاستيطاني في قلب العالم العربي مع عقد اتفاقية سايكس بيكو التي غرست سكين المطامع الاستعمارية في جسد العالم العربي لتمزيقه ومهدت لوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني".
 راهنية الدولة القومية ، بحوث المؤتمر الدولي حول الدولة القومية والتحديات المعاصرة الذي نظمته مؤسسة سعادة للثقافة في الذكرى المئوية الأولى لمولد انطون سعادة ، نشر في 2006، ص17.


السند 06

وبعد الاحتلال الفرنسي للجزائر الذي بدأ عام 1830، توقف الزحف الأوروبي الاستعماري على الدول العربية مدة ناهزت الخمسين عاما، بسبب اشتداد حدة التنافس بين الدول الأوروبية على تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية وتوزيعها أسلابة فيما بينها، وما صاحب هذا التنافس من حروب ومؤتمرات ومعاهدات، ازدحم بها تاريخ الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وانتهجت هذه الدول سياسة التعويض وسياسة المصالحة على حساب الدولة العثمانية في مؤتمر برلين الأول 1878، وبسطت فرنسا حمايتها على تونس عام 1881، واحتلت بريطانيا مصر عام 1882. وقد سبق فرض الحماية والاحتلال على هذين البلدين العربيين الإسلاميين انتهاج سياسة التغلغل السلمي، وكان من مظاهر هذه السياسة التدخل في الشؤون المالية لحكومتي تونس والقاهرة، وتقديم قروض أوروبية ضخمة ومتعاقبة لها بحيث عجزنا عن سداد القروض وفوائدها، ثم تدخلت الدولتان سياسيا، وأعقب هذا التدخل الغزو العسكري لكل من تونس ومصر في سنتين متعاقبتين. 
عبد العزيز محمد الشناوي، الدولة العثمانية دولة اسلامية مفترى عليها، ج2، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2013، ص 243.


 السند 07

مارست سلطات الاحتلال الفرنسي سياسة استعمارية لإخضاع الشعب الجزائري كانت تتضمن سياسات فرعية هي سياسة الابادة، والاستيطان، والادماج، والفرنسية، والتنصير، ومحاربة الدين الاسلامي عن طريق التجهيل وسياسة التمييز العنصري، والتفريق بين العرب والبربر واثارة الفتنة..
 صلاح نوري علوان العجيلي، صلاح حسن الربيعي، استراتيجية حروب التحرير الوطنية، ط1، مركز الكتاب الأكاديمي، عمان، 2015، ص132

انعكاسات السياسة الاستعمارية
وظلت القوى الاستعمارية الكبرى تعمل في هدوء تام في المنطقة العربية ، وفي آسيا ، وإفريقيا ، بل وفي شرق أوروبا - من دون تدخل علني مباشر ، إنما كان سبيلها إثارة الفتن الطائفية، وخلق النزاعات الحدودية مشكلات الأقليات ، وتأجيج نار القوميات، وإفساد الحياة العامة، وهي تقف بعيدة تمد بالسلاح وتمول بمليارات الدولارات، وتشجع على الحروب الإنتحارية البينية، وترفع عصا التهديد ملوحة بالعقوبات في وجه من يعترض ومن يمتنع ، وتتهم الأبرياء برعاية الإرهاب بالمسلمين - وتصنع العملاء على أعينها - وذلك من غير أثر يشير اليها أو منتجا يدل عليها.
عبد السلام حمري اللمعي، صراع الحضارات وحوار الدبابات، ط1، مكتبة وهيبة، القاهرة، 2005، ص 336.

 السند 09
مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ثمرة مشتركة للاستعمار والاستيطان الاستعماري، بكل ما فيهما من شرور ، ولكن الشعوب الأصلية ظلت في بلادها وديارها ومزارعها وأراضيها .. ونحن لا ننكر أن شعوب آسيا وأفريقيا قد تعرضوا لكل أنواع المتاعب وصور التنكيل والاضطهاد والتشريد، وحاول الصهاينة اليهود اقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره، وانتزاع ممتلكاته، كما فعل المستوطنون الغرباء في آسيا وإفريقيا.
خيري حماد، التطورات الأخيرة في القضية الفلسطينية، الدار القومية للطباعة، القاهرة، 1964، ص 217

السند 10

لاشك أن قارة آسيا تتميز بالعديد من النزاعات الإقليمية التي تهدد استقرارها وأمنها، ترجع جذورها إلى الموروثات الاستعمارية ، فيمكن أن نضرب مثالا لها في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، اذ ساهمت بريطانيا في إنشاء دولة إسرائيل وتمثل ذلك بتبنيها سياسة ترمي إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .. وفي عام 1948 احتلت إسرائيل (%78) من ارض فلسطين على اثر انتهاء الانتداب البريطاني. ومن الأمثلة على النزاعات الحدودية النزاع العراقي - الكويتي اذ بقي العراق لمدة طويلة يطالب بالكويت ويعدها واحدة من محافظاته لكون أن الكويت كانت جزء لا يتجزأ من ولاية (البصرة) في ظل الدولة العثمانية، وكذلك النزاع الهندي - الباكستاني حول اقليم كشمير الذي يعد من أهم المورثات التي صاحبت تقسیم شبه الجزيرة الهندية، اذ أصرت الهند على التمسك بها، وفي المقابل كانت باكستان تعتقد ان كشمير التي كانت تقطنها اغلبية مسلمة تعد تابعة لها..
مفاز مثني عبد الله القزاز، مستقبل دور منظمات التعاون الاقليمي في القارة الأسيوية، شركة دار الأكادميون للنشر والتوزيع، عمان، 2021 ، ص 158-159



السند 11

استخدمت الحركة الصهيونية الإرهاب كوسيلة لطرد العرب حيث ارتكبت العصابات اليهودية عشرات المجازر بحق الفلسطيين، وبلغ عدد المجازر نحو 25 مجزرة عام 1948، وقد شكلت حرب عام 1948م نقطة البداية لظهور مشكلة | اللاجئين الفلسطينيين، وتعمقت معاناتهم، واستمرت على ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، وتجمع أكثر المصادر التاريخية والأدبيات المختلفة، العربية وغيرها، أن نكبة عام 1948م، أرغمت ما يقارب 900 ألف فلسطيني على الهجرة القسرية خارج مدنهم وقراهم، بعد أن قام اليهود وعصاباتهم العسكرية بتدمير القرى والمدن الفلسطينية، خاصة تلك الواقعة على الساحل الفلسطيني، الممتد من الناقورة إلى غزة، وقد دمرت إسرائيل أكثر من 540 قرية فلسطينية وحولتها إلى مستوطنات ومستعمرات يهودية بنيت على أنقاضها. لقد استخدم الاحتلال الصهيوني كافة أساليب القمع والترهيب بحـق المدنيين الفلسطينيين مما أدى إلى تهجير الآلاف على موجات متعددة. علا عامر موسى الجعب، اتجاهات اللاجئين الفلسطينيين نحو قضايا الحل الدائم،ط1، دار الجندي للنشر والتوزيع، القدس،2018، ص 57-58.

 السند 12

فالحدود بين الدول الموروثة عن الاستعمار، والتي تخرج عن سياق التقسيم الجغرافي المتوارث بين الجماعات الإثنية  والهوياتية، تشكل حاليا السبب المباشر للحروب والنزاعات بين الدول، ويتعلق الأمر ببعض الحدود الوهمية التي وضعها الاستعمار الفرنسي والبريطاني عقب توقيع اتفاقية سايس بيكو عام 1916، وهي حدود مصطنعة لا تعبر عن الحقائق الاجتماعية والإثنية للشعوب العربية. وقد تعرضت الدول الإفريقية أيضا إلى المصير نفسه بعد تحقيق الاستقلالات المتتالية من الدول الاستعمارية وإجبارها على احترام اتفاقية الحدود الموروثة عن الاستعمار، مما أدى إلى نشوء صراعات مسلحة وحروب أهلية في العديد من الدول الإفريقية، كالحرب الأهلية في رواندا بين الهوتو والتوتسي، والحرب بين شمال وجنوب السودان والانقسام الفعلي لهما سنة 2011. محمد عصام لعروسي، النزاعات المسلحة ودينامية التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ط1، مجموعة النيل العربية، القاهرة، 2020، ص 38

السند 13

كان النظام السياسي للدول الإفريقيـة يستمد قوته من بنيته القبليـة ومـن معتقداتها الدينية ولاسيما تلك التي تعتنق الإسلام، لذا عملت القوى الاستعمارية على تفكيك البنية القبلية للدولة وهدم نظامها السياسي القبلي، واقتسام مناطقها بحيث يخضع كل قسم منها لإدارة استعمارية مختلفة، وهو مازالت تعبر عنه الحدود السياسية الحالية للدول الإفريقية | التي تمثـل إحـدى مكونات الإرث الاستعماري.
 عبد الرحيم رحموني، القضايا العربية المعاصرة: الرهانات والتحديات، مركز الكتاب الاكاديمي، عمان، 2020، ص 245.

السند 14

ومنذ ان تقاسم المستعمرون القارة الإفريقية ظلت هذه الشعوب تحت الاستعمار، وقد كانت بريطانيا الدولة التي ترعرع في كنفها نظام التفرقة العنصرية الذي يعمل به الآن في اتحاد جنوب إفريقيا، فإن ذلك الاتحاد قد كان إلى عهد قريب مجرد إقليم بريطاني تدرج به حكامه الانجليز الى الحكم الذاتي، ثم الاستقلال في نطاق الكومنولث، ...لم يكن اثر الاستعمار مقتصرا على سوء استقلال اقتصادياتها وثرواتها أو تخلف مستوى معيشة شعوب فحسب، بل انعكس خطره كذلك على جوانب أخرى في الحياة مثل السلطة السياسية الاستعمارية، والاحتكارات الكبرى، وقد ابتليت القارة الإفريقية بالاستعمار منذ البداية ومازالت تناضل من أجل التخلص من بقايا الاستعمار، فرغم حصول بعض الدول الإفريقية على الاستقلال السياسي فإنها مازالت تحت تأثير العادات والتقاليد والثقافة الاستعمارية، مما جعلها تعيش حياة ضعيفة مرتبطة بالدول التي كانت تسيطر عليها. حميد الراوري، الشمال الافريقي مشكلة الصحراء الغربية، ط1، الان ناشرون وموزعون، 2021، عمان، ص 134-135

================================================================



مرحلة الحرب الباردة:
 و لم تكد الحرب العالمية الثانية تنتهي حتى أصبح واضحا أن تغييرات وتحولات جذرية قد طرأت على العالم المعاصر. لقد أصبح مصير العالم متوقفا على طبيعة العلاقات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وأصبح العالم بأسره أسيرا لقرارات وسياسات وصراعات هاتين الدولتين اللتين برزتا من الحرب اكثر قوة اقتصاديا وعسكريا وأكثر تأثيرا ونفوذا سياسيا ودبلوماسيا، وأكثر رغبة في استغلال الظروف الدولية الجديدة لفرض إرادتهما على بقية دول العالم . وكان هذا الحدث بمثابة البدء في عهد جديد بالنسبة للعالم المعاصر هذا العهد الذي تميز منذ لحظاته الأولى «باختلاف تصورات كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لمدى الانتصار على ألمانيا الهتلرية 31)، واختلافهما حول كيفية سد الفراغ السياسي الناجم عن انحسار نفوذ القوى الأوروبية التقليدية ليس في أوروبا فقط وإنما في آسيا والشرق الأوسط وفي بقية مناطق العالم.


لقد كانت السنوات الأولى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مليئة بالخلافات والتوترات والصراعات الحادة، وكانت هذه السنوات أكثر السنوات خطورة في تاريخ الصراع بين الشرق والغرب وهي التي ولدت ظاهرة الحرب الباردة في العلاقات الدولية المعاصرة. وكانت أوروبا هي الساحة المركزية لهذه الصراعات والتوترات في تلك السنوات. لذلك فقد كان صراع الشرق والغرب في سنواته الأولى ظاهرة أوروبية أكثر منه حقيقة عالمية كما هو عليه الآن. وبرزت القضية الألمانية وقضية برلين وقضية الأمن الأوروبي وقضية الحدود الجغرافية وتقسيم أوروبا إلى مناطق نفوذ وقضية خفض القوات في أوروبا كأهم القضايا الخلافية بين الدول الكبرى في السنوات 1945-1953، ولم يكن بالإمكان التوصل إلى تفاهم مشترك بين كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حول هذه القضايا، بل كان سؤ الفهم والتشكيك في صدق النوايا وعدم الثقة والرغبة في المواجهة والمنافسة هي السمات والسلوكيات السائدة. وقد تبع ذلك اتخاذ سياسات عمقت بدورها الفجوة والعداوة بين هاتين الدولتين، وكذلك بين دول الشرق ودول الغرب بشكل عام، فالولايات المتحدة أصرت على إجراء انتخابات حرة في جميع الدول الأوروبية في حين عارض الاتحاد السوفيتي هذا الاقتراح خوفا من أن تؤدي هذه الانتخابات إلى ظهور هتلر جديد في ألمانيا . كذلك أصر الاتحاد السوفيتي على تحييد ألمانيا كشرط لتوحيدها في حين عارضت الولايات المتحدة فكرة توحيد ألمانيا خوفا من السيطرة السوفيتية على ألمانيا الموحدة . ثم تباطأت الولايات المتحدة في سحب قواتها من أوروبا كما اتفق عليه في قمة يا لطا ومؤتمر بوتسدام مما أعطى السوفيت ذريعة للتخوف من النوايا الحقيقية للولايات المتحدة ومدى استعدادها لاستخدام هذه القوات لغزوا الاتحاد السوفيتي. وتصاعد الخلاف بين الدولتين حول مسألة تعويضات الحرب، وتوقف الغرب عن دفع تعويضات سنوية للاتحاد السوفيتي كما كان مقررا في اتفاقيات بوتسدام. وبلغ تدهور العلاقات بين الشرق والغرب أقصى درجاته أثناء حصار برلين، حيث كان الغرب على استعداد تام الاستخدام قدراته العسكرية والنووية ضد الاتحاد السوفيتي كحل وحيد وحاسم لتجاوز الاعتراضات السوفيتية، وترتيب أوضاع أوروبا بما يتناسب مع الرغبة الأمريكية (32)
كانت هذه الأحداث المتلاحقة بمثابة مقدمات الحرب الباردة التي أشار إليها ضمنيا رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في الخطاب الذي ألقاه في مارس 1946، وتحدث فيه عما سماه «الستار الحديدي» الذي فرضه الاتحاد السوفيتي على دول أوروبا الشرقية. وبعد سنة من هذا الخطاب أعلن الرئيس الأمريكي ترومان عن سياسة أمريكية جديدة تجاه أوروبا عرفت بمبدأ ترومان. ويتضمن هذا المبدأ تعهدا أمريكيا صريحا والتزاما واضحا تلتزم بهما الولايات المتحدة للتصدي للمد الشيوعي والنفوذ السوفيتي في أوروبا وفي أي مكان آخر في العالم بكافة الوسائل، بما في ذلك الوسائل العسكرية وحتى استخدام ما لدى الولايات المتحدة من أسلحة نووية. ولقد شكل هذا الخطاب نقطة تحول مهمة في التاريخ السياسي للعالم المعاصر، فقد كان الخطاب بمثابة تأكيد رسمي من الولايات المتحدة بأنها سوف تقوم بدور حامي الأمن والسلام في العالم (33). وبعد إعلان مبدأ ترومان بثلاثة شهور أعلنت الولايات المتحدة عن مشروع مارشال لإعادة إنعاش أوروبا اقتصاديا، والذي كان يسعى لتحقيق عدة أهداف: أولا : القضاء على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة في أوروبا، ثانيا : احتواء الحركات الراديكالية والثورية التي تسعى لإقامة حكومات اشتراكية متعاطفة مع الاتحاد السوفيتي ،ثالثا:ربط أوروبا بالاقتصاد الأمريكي وتمهيد تغلغل الشركات الأمريكية الاقتصادية في الأسواق الأوروبية .ولم تكتف الولايات المتحدة بإعلان مبدأ ترومان وتطبيق مشروع مارشال، بل إنها أعلنت في سنة 1947 عن استراتيجية جديدة لمواجهة الاتحاد السوفيتي مباشرة عرفت فيما بعد «بسياسة الاحتواء» التي قدمها ونظر لها الدبلوماسي الأمريكي المعروف جورج كينيان (39). وتقوم سياسة الاحتواء على فكرة إنشاء سلسلة من القواعد والأحلاف والترتيبات العسكرية، كحلف شمال الأطلسي، وحلف جنوب شرق آسيا، وحلف المعاهدة المركزية، بهدف تطويق وعزل الاتحاد السوفيتي ومنع انتشار نفوذه وإيديولوجيته إلى الدول المجاورة وإلى سائر أنحاء العالم (35)
لكن بالرغم من سياسة الاحتواء (أو ربما کرد على إعلان هذه السياسة) قرر الاتحاد السوفيتي إرسال قواته إلى تشيكوسلوفاكيا سنة 1948 وضمها إلى المعسكر الاشتراكي. وكان لهذا الحدث تأثيره البالغ في مجمل العلاقات بين الشرق والغرب، وضاعف من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة | والاتحاد السوفيتي، وأدى إلى إعلان قيام حلف شمال الأطلسي (الناتو) في يونيو سنة 1948، وبقيام هذا الحلف يكون الصراع بين الشرق والغرب قد انتقل من طوره الإيديولوجي والدعائي والسياسي إلى الطور العسكري الذي تصاعد تدريجيا إلى مرحلة سباق التسلح النووي. ورسخ قيام حلف الناتو ومن بعده بست سنوات حلف وارسو القطيعة بين الشرق والغرب، وتم تعطيل المناقشات التي كانت جارية بين القوى الكبرى لترتيب أوضاع أوروبا، وظلت بالتالي جميع القضايا الخلافية الرئيسة قائمة من دون حسم.
لقد كان هذا التعطيل بمثابة التجميد المؤقت لصراع الشرق والغرب على الساحة الأوروبية بعد أن بلغ درجات عالية من التوتر التي ربما أدت إلى اندلاع حرب جديدة مدمرة في أوروبا. لذلك، وربما من أجل تفادي مثل هذه الحرب، تم تجميد صراع الشرق والغرب مؤقتا وتحول تدريجيا من ساحته المركزية في أوروبا إلى مناطق أخرى في العالم. لقد انتقل هذا الصراع أول ما انتقل إلى شرق آسيا حيث حدثت المواجهة الأولى في كوريا، وانتقل بعد ذلك إلى دول جنوب شرق آسيا، ثم برز في الشرق الأوسط، وعاد لفترة قصيرة إلى أوروبا وامتد بعد ذلك إلى كوبا، وأصبح فيما بعد جزءا لا يتجزأ من أي صراع إقليمي في أي مكان من قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. لذلك لم يعد صراع الشرق والغرب ظاهرة أوروبية بل أصبح خلال عقد الخمسينات صراعا عالميا، كما أنه لم يعد محصورا في نطاقه الأيديولوجي التقليدي أو مقتصرا على بعده العسكري والنووي، وإنما أخذ بعدا اقتصاديا وتقنيا ودبلوماسيا امتد إلى الفضاء الخارجي، ولم يبق أي مجال من مجالات الحياة المعاصرة إلا وقد تأثر بهذا الصراع.
إن الثورة الصينية هي التي تسببت في انتقال صراع الشرق والغرب من أوروبا إلى قارة آسيا . فلقد كان لاستلام الحزب الشيوعي الصيني بزعامة ما وتسي تونغ زمام الحكم في الصين والإعلان عن قيام دولة اشتراكية في اکتوبر1949 أثره البالغ على الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب .فقد عمق هذا الانتصار خوف الغرب من الأيديولوجية الاشتراكية والشيوعية ومن انتشار المد الثوري المعادي للرأسمالية والإمبريالية في العالم، وأظهر خروج فرنسا على الإرادة الأمريكية وانسحابها من حلف شمال الأطلسي ودعوتها لاستقلال أوروبا من الهيمنة الأمريكية. لكن رغم أهمية هذه التصدعات والانقسامات الداخلية ظل العالم المعاصر كما كان سابقا عالما ثنائي القطبية تتزعمه الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

إن هذه الانقسامات التي ميزت فترة الستينات دفعت كلا من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة إلى إجراء مراجعة شاملة والقيام بتقييم المعرفة حجم المكاسب والخسائر التي حصلت عليها خلال السنوات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولقد اتضح للاتحاد السوفيتي أنه استطاع أن يحافظ على نفوذه في أوروبا الشرقية، وأن يمد سيطرته إلى شرق آسيا ودول الهند الصينية، وأن يصل إلى مناطق بعيدة في العالم العربي وقارة أفريقيا وأمريكا الوسطى، وأصبح له تأثيره الكبير في معظم حركات التحرر في دول العالم الثالث، كما استطاع الاتحاد السوفيتي أن يتجاوز بنجاح الدمار الاقتصادي والبشري الهائل للحرب العالمية الثانية، وأن يرسخ البناء الاشتراكي داخليا (30)، بل كان يكفي الاتحاد السوفيتي أنه حقق أكبر إنجازات هذا العصر عندما أطلق أول صاروخ عابر للقارات سنة 1957، ومن ثم إرسال أول مركبة (سبوتنيك) إلى الفضاء في اكتوبر1957، وأدهش العالم بإرساله أول إنسان إلى الفضاء الخارجي وعودته إلى الأرض سالما، وذلك سنة 962 اسابقا بذلك الولايات المتحدة التي لم تتمكن منذ ذلك الحين مجاراة الاتحاد السوفيتي في مجال تقنية الفضاء. أما الولايات المتحدة فإنها لاحظت بلا شك أنها قد أصبحت الدولة النووية الأولى في العالم، وأنها أصبحت تمتلك أعظم قوة اقتصادية دون منازع حيث تحول الاقتصاد الأمريكي خلال هذه السنوات إلى اقتصاد كوني قادر على تعزيز هيمنة الولايات المتحدة السياسية والدبلوماسية على العالم المعاصر، تطبع هذا العصر بالطبع الأمريكي وتحول هذا العصر إلى العصر الأمريكي.

لقد حققت هذه المراجعة التي قام بها كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة هدفها . فقد أظهرت لكلتا الدولتين أن مكاسبها عديدة، وأنه من أجل الإبقاء على هيمنتها فإنه لابد من تهدئة الصراع بينهما وتفادي أي مواجهة نووية، وأنه ينبغي إيجاد صيغة جديدة للتعايش السلمي بينهما في عالم لا وجود لمنافس ثالث حقيقي لهما . ولقد أضفت الأزمة الكوبية التي عدم فعالية السياسات الغربية في احتواء النفوذ الأيديولوجي والسياسي للاتحاد السوفيتي. ومن ناحية أخرى فإن هذا الانتصار الشيوعي في الصين قد عزز من شعور التفوق لدى الشرق، وضاعف من إيمان الاتحاد السوفيتي بقوة إيديولوجيته واستمراره في دعم حركات التحرر والقوى الثورية المناهضة للإمبريالية الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك شجع هذا الانتصار الشيوعي في الصين القوى الثورية الأخرى في آسيا للاحتذاء بالنموذج الصيني، وتكرر انتصار الأحزاب الاشتراكية والشيوعية في دول قارة آسيا، وقامت كوريا الشمالية بعد حصولها على مساندة من الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية بشن هجوم كبير على كوريا الجنوبية سنة 1950 في محاولة منها لتأسيس دولة اشتراكية موحدة في كوريا تم تقسيمها سنة 1945 إلى شمال خاضع للنفوذ السوفيتي وجنوب خاضع لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية (36). لقد ظلت القضية الكورية بؤرة الصراع بين الشرق والغرب في قارة آسيا رغم تفجر الحرب الفيتنامية وحدوث مواجهة دامية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على أرض فيتنام التي تم تقسيمها أيضا إلى شمال تابع للنفوذ السوفيتي وجنوب خاضع للسيطرة الأمريكية .يقول كولت براون وبيتر موني «كانت كوريا مركز اهتمام العالم خلال عقد الخمسينات .وكما أن حصار برلين قد حدد خطوط المواجهة الساخنة في الساحة الأوروبية فإن الحرب الكورية هي الأخرى قد حددت خطوط الحرب الباردة في قارة آسيا (37).

وبقدر ما كانت فترة الخمسينات هي أشد سنوات الحرب الباردة فإن فترة الستينات قد اتسمت بالهدوء النسبي ،وتحولت إلى مجرد فترة انتقالية في سياق تطور صراع الشرق والغرب. لقد شهدت هذه الفترة تأرجح صراع الشرق والغرب بين لحظات من المواجهة الساخنة التي أوشكت أن تتحول إلى حرب نووية كما حدث أثناء أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962، ولحظات أخرى من الهدوء والتفاهم والانفراج التي لم يعهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كذلك شهدت فترة الستينات حدوث تصدعات وانقسامات داخلية خطيرة ضمن كل معسكر ففي الشرق الاشتراكي برز الخلاف السوفيتي - الصيني الذي فرق وحدة الشرق وأنهى تفرد الاتحاد السوفيتي بزعامة الشرق. كما شهد الغرب أيضا انقساما خطيرا تمثل في










google-playkhamsatmostaqltradent