الإشـكـالـية: الحركة الوطنية الجزائرية بين خيار استمرار العمل السياسي وحتمية العمل المسلّح
إشكالية الحركة الوطنية الجزائرية في مواجهة السياست الإستعمارية الفرنسية المخادعة والكاذبة، لم تجد حلولا لها إلا باتباع أسلوب العمل المسلّح عملا بمبدأ ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة. هذه هي الفكرة العامة لهذه الاشكالية التي سنتعرف فيها على مجازر الثامن ماي 1945، والقانون الخاص 1947، وأزمة حزب الشعب حركة الانتصار 1953.
الوضعية الأولى: من تبلور الوعي الوطني الجزائري إلى الثورة التحريرية
بداية التفكير في الكفاح المسلّح |
حتمية الثورة تبعا لمجريات الأحداث
إنّ الوجــود الاستعمــاري و قساوة سياسته وإصراره على دمج الجزائريين. وفشل النضال السياسي في تحرير البلاد. وأزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية. تعتبر كلّها أحــداثاً غيّرت من تفكير الشعب الجزائري باللجوء إلى العمل المسلّح. إنّ مظاهرات ماي 1945 يمثل بشاعة وجرم فرنسا التي قتلت 45 ألف جزائري. وهي جريمة إنسانية. يُضاف إلى خيانتها ونقضها للوعود. وما زاد ذلك إلا إصرارا للشعب الجزائري لمواصة النضال من أجل الحرية. فأدرك عقم النضال السياسي، وتجاهلَ الاصلاحات الفرنسية الكاذبة، وتجاوزَ الصراعات والنّزاعات الداخلية خاصة أزمة حزب الشعب حركة الانتصار. ودخل في ثورة عارمة يوم الاثنين 01 نوفمبر 1954.
1- مجازر الثامن ماي 1945
ارتكبت فرنسا خلال تواجدها في الجزائر عدة مجازر في حق الشعب الجزائري والإنسانية جمعاء، وتعتبر مجازر 8ماي 1945 من أبشعها، حيث استشهد على إثرها حوالي 45ألف جزائري، وهي بمثابة المنعرج الحاسم في نضال الشعب الجزائري من أجل التحرر.فماهي أسباب هذه المجازر؟ و آثارها على نضال الشعب الجزائري؟ وما موقف فرنسا من التطور الحاصل في الحركة الوطنية؟
أ ـ أسباب مجازر الثامن ماي 1945 :
- رغبة الشعب الجزائري المشاركة في أفراح نهاية الحرب العالمية الثانية بهزيمة النازية.
- تذكير فرنسا بالوعود المقدمة للجزائريين (الحرية).
- نمو الوعي الوطني والسياسي.
- رفض فرنسا الالتزام بوعودها.
- استمرار السياسة الاستعمارية القائمة على القمع والإبادة
- رغبة فرنسا في استعادة هيبتها (إرهاب شعوب مستعمراتها
ب ـ آثارها على نضال الشعب الجزائري:
- التأكد من عدم جدوى النضال السياسي، و بداية التفكير في النضال المسلح (إنشاء المنظمة الخاصة).
- ازدياد عزيمة وإصرار الشعب على التحرر.
- تأكيد ضرورة توحيد الصفوف.
- ازدياد القمع الفرنسي (حل حركة أحباب البيان والحرية، واعتقال زعمائها)...
ج ـ موقف الاستعمار من التطور الحاصل في الحركة الوطنية:
- صدور قانون العقو الشامل في 7 مارس 1946(سمح بعودة النشاط السياسي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين)
- صدور دستور 20 سبتمبر 1947 (القانون الخاص)
- تنظيم الانتخابات في سنة 1948وتزويرها من طرف الادارة الاستعمارية.
- سياسة القمع والابادة، وملاحقة أعضاء المنظمة الخاصة بعد اكتشافها سنة 1950.
2- القانون الخاص (دستور 20 سبتمبر 1947)
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وما صاحبها من أحداث ومجازر في الجزائر، ناقش البرمان الفرنسي القضية الجزائرية ومستقبل الشعب الجزائري في ظلّ هذه التغيرات ووعي الشعب الجزائري. ليقترح وضع قانون خاص بها، وبعد موافقة البرلمان، ورئيس الحكومة، صادق عليه رئيس الجمهورية الرابعة "فانسان أوريول V.Auriol" في 20 سبتمبر 1947.فيم تمثلت ظروف صدوره؟ وما مـــوقف المعمرين، والحركة الوطنية منه؟
أهم المقتطفات من القانون الخاص 20 سبتمبر 1947:- الجزائر جزء لا يتجزأ من الأراضي الفرنسـية - المســــــاواة بين جمــــيع سكان الجـــــــزائر.- الإبقاء على الحـــالة الإســلامية للجـزائريين - فتح الوظــــــائف العــــامة أمام الجزائريين.- فصـــل الــــدين عن الـدولة - اعتـبـــار اللغــة العـــربية لغة رسمــية ثــانية إلى جانب الفرنسية.- إنشاء مجلس وطني يتكون من 120 عضوا - إنشاء مجلس حكومـة يتألف من 6 أعضاء.
أ ـ ظروف صدور دستور 1947 :
نهاية الحرب العالمية الثانية، وتنكر فرنسا لوعودها للجزائريين " الحرية ".
ارتكاب فرنسا لمجزرة بشعة في حق الجزائريين إثر احداث 8 ماي 1945،
استعادة الحركة الوطنية لنشاطها، بعد صدور مرسوم 16 مارس 1946، والقاضي بالعفو عن المعتقلين السياسيين، والسماح بعودة النشاط السياسي.
تبلور الكفاح التحرري لدى التيار الاستقلالي، بإنشاء المنظمة الخاصة استعداداً للثورة المسلّحة.
رغبة فرنسا في عرقلة نشاط الحركة الوطنية، بإصدار مشروع ادماجي آخر.
ب ـ موقف المعمــرين من القـــــانون الخـــــاص:
رحب المعمرون به، لأنه يجسد ادماج الجزائر بفرنسا ومنه يضمن لهم مصالحهم، بالرغم من ورود بعض البنود التي تخدم الجزائريين، إلا انهم تأكدوا من عدم تطبيقها.
ج ـ موقف الحركة الوطنية من القانون الخاص:
رفضت أحزاب وتيارات الحركة الوطنية المختلفة هذا الدستور، لكونه لا يعكس طموحات الشعب الجزائري.
3ـ أزمة حركة الانتصار للحريات الديمقراطية 1953
عاش حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية في بداية الخمسينات (1950 – 1953) أزمة حادة عصفت به داخليا، أطلق عليها البعض صفة المباركة بالرغم من أنها تسببت في تصدع الحزب وانقسامه نتيجة اختلاف بین قادته.
مقدمة: أزمة حركة الانتصار للحريات الديمقراطية عجلت باندلاع الثورة.
أ -أسباب أزمة حركة الانتصار للحريات الديمقراطية:
السياسة الاستعمارية (القانون الخاص 1947، الانتخابات)
اكتشاف المنظمة الخاصة.
الاختلاف حول طرق قيادة الحركة (القيادة الجماعية العرض والقيادة الفردية).
الخلافات السابقة في القيادة تجاه القضايا المطروحة.
ب - علاقة الأزمة في التعجيل بالثورة:
ميلاد اللجنة الثورية للوحدة والعمل 23-03-1954.
التحضير لتفجير الثورة (مجموعة 22 ومجموعة الستة
تفجير الثورة في 01-11-1954.
ظــروف قيام الثـــورة التحريرية
إنّ الظروف العامة مهما كانت سائدة سلبية أو إيجابية. مساعدة أو غير مساعدة. تغلّب عليها روح الوطنية والرغبة في التحرّر مت الاستعمار الذي أثبت فشله من جميع النواحي، حيث لم يأتِ إلى الجزائر سوى لطمع في خيراته.
أـ الظروف المحلية
- تبلور الفكر الثوري، وخاصة بعد مجازر 8ماي1945.
- استمرار الخلافات بين تيارات الحركة الوطنية، وتشتت صفها.
- استمرار سياسة الاستعمار القائمة على القمع، الإبادة، الاستغلال والنهب.
- تدهور الأوضاع العامة "فقر، مجاعة، أمية، بطالة،".
- تطلع الشعب الجزائري للتحرر وتحسين أوضاعه.
- انعكاسات أزمة حركة الانتصار في التعجيل بإنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل للإعلان عن الثورة.
ب ـ الظروف الإقليميـة
- نجاح الثورة المصرية (1952)، ودعمها للحركات التحررية في الوطن العربي.
- قيام الثورة المسلحة في كل من تونس والمغرب الأقصى.
- الدعم العربي للحركات التحررية (جامعة الدول العربية).
- تنامي الوعي التحرري والقومي في الوطن العربي.
جـ ـ الظروف الدولية
- صدور مواثيق دولية مؤيدة لحق الشعوب في تقرير مصيرها (ميثاق الأمم 1945، وثيقة حقوق الإنسان 1948).
- تنامي موجة التحرر في العالم (استقلال سوريا ولبنان سنة 1946، الهند 1947).
- تراجع قوة ومكانة فرنسا الدولية بعد الحرب العالمية الثانية.
- هزيمة فرنسا أمام الفيتنام (معركة ديان بيان فو 1954).
- ظهور بوادر التعايش السلمي بين الشرق والغرب.
مفاهيم المصطلحات الخاصة بالوضعية
- الأحزاب الوطنية: وهي مجموع التنظيمات ذات الطابع السياسي التي ظهرت في الجزائر بعد الحرب العالمية الأولى إلى سنة 1954 والمتشكلة في أربع اتجاهات رئيسية هي دعاة المساواة، دعاة الإدماج، دعاة الاستقلال، دعاة الإصلاح.
- المؤتمر الإسلامي عام 1936: هو أول تجمع جزائري جمع كل التيارات السياسية رغم اختلاف اتجاهاتها عقد بسبب إصدار فرنسا لمشروع بلوم فيوليت الذي يمنح الجنسية الفرنسية لبعض الشباب الجزائري المثقف بالفرنسية بشرط التخلي عن الأحوال الشخصية. إن فكرة المؤتمر كانت من عبد الحميد بن باديس والدكتور بن جلول. ولهذا كانا من أبرز الحاضرين إلى جانب البشير الإبراهيمي، والدكتور سعدان وفرحات عباس والدكتور بن التهامي... وقد طالب المؤتمر بـ:
- إلغاء المحاكم العسكرية.
-اعتبار اللغة العربية لغة رسمية إلى جانب الفرنسية.