الإشكالية: علاقات العالم الاسلامي من مرحلة القوة والريادة إلى مرحلة الانهيار
إشكالية علاقات العالم الاسلامي داخليا وخارجيا، لم تعرف الاستقرار، فعلاقات هالداخلية ميّزتها تارة التعاون بين الديلات والامارات الاسلامية وتارة العداء والحروب بينها. بينما خارجيا فهي علاقات حروب صليبية بين العالم الاسلامي والعالم المسيحي الأوربي. حتى استطاع هذا الأخير القضاء على الدولة العثمانية وبداية ضعف العالم الاسلامي بوقوعه تحت الاستعمار الأوربي.
الوضعية الثانية: العلاقات الداخلية والخارجية للعالم الاسلامي
الكفاءة المستهدفة: يكون المتعلم قادرا على تحديد وشرح طبيعة العلاقات الداخلية و الخارجية للعالم الإسلامي. و أن يدرك عوامل قوة العالم الإسلامي وأسباب و مظاهر ضعفه.
العالم الاسلامي علاقات داخلية وخارجية |
طبيعة علاقات العالم الإسلامي الداخلية
" لقد رحب عرب المشرق بالحكم العثماني ، ودانوا بالولاء و التبعية للدولة العثمانية ، إقرارا لها بالفضل على ردع الخطر الأجنبي، ولأنها في نظرهم جاءت لإحياء الخلافة الإسـلامية ، و بالتالي فإن الواجب الديني يفرض على العرب الولاء للخليفة. إلا أن العثمانيين قد أخلوا بمبادئ الخلافة في تسيير الأقــاليم العــربية، فلم يمنحوا لها نصيبا من الحكـم الذاتي، وأصبحوا يحكمون البلاد العربيــة وفق القــومية التركية، وقد تزامن ذلك مع الطغيان و الاستبداد الذي مارسه ولاة الأقاليم مع السكان، وكان من الطبيعي أن يتذمر العرب من هذه التجاوزات و المظالم ، ووصل إلى حد مناوءة الحكم العثماني، و السعي للقضاء عليه.
أصاب العالم العربي الإسلامـي تمزّقا في وحدته السياسية، إذ حلّت الكثرة محل الوحدة، و قامت على أنقاض الدولة الواحدة ممالك و دول عديدة في مشرق العالم الإسلامــي و مغربه. و لا شك في أن هذه الانقسامات جميعا أدت إلى اندلاع الحروب بين القوى الإسلامية، و دفع المسلمون عامة الثمن غاليا من أرواحهم و اقتصادهم و مدنيتهم، و استنفذت طاقات الأمــة المادية و قطف الصليبيون ثمـــــــار هذه الحروب". المرجع: مجلة العربي عدد 605
- المرحلة الأولى: تميزت بقبول العيش في ظل الخلافة الإسلامية( العثمانية)،ساد خلالها التعاون، الأمن و الاستقرار ، التسامح الديني و المذهبي ،حرية العبادة، التنوع الطائفي و الثقافي.
- المرحلة الثانية: تميزت بالتوتر والصراع، وبــروز حركات انفصالية و بــوادر تفكــك العـــالم الإسلامي، ومنها:
- حـركة ظاهر العمر في الشـــــام 1750 ـ 1775.
- محمــد علي باشا فــي مصر 1811 ـ 1840 .
- استقلال دايات الجـزائر عن الدولة العثمانية 1671 ـ 1830.
طبيعة العلاقات بين العالم الإسلامي و القوى الأوروبية
1ـ مع النمسا، اسبانيا ،البرتغال، الإمارات الايطالية و روسيا:
"توضحت سياسة روسيا اتجاه الدولة العثمانية منذ عهد بطرس الأكبر، و ظلت الدوافع الاقتصادية و السياسية و الدينية تحثّ روسيا على السيطرة على المضائق و بالتالي على العاصمة العثمانية من أجل تأمين تجارتها و تنفيذ ادعاءاتها في وراثة بيزنطة.كما أن موقـع إستمبول و تحكمّها في المضائق يشكل عائقا أمام روسيا للوصول إلى المياه الدافئة. أمـــا دينيا فإنّ تحوّل الروس إلى المذهب الأرثوذكسي جعلهم يعتقدون أنّهم أصبحوا ورثة الإمبراطورية البيزنطية بعد سقـــوط القسطنطينية و أن واجبهم الديني يدعوهم إلى طرد العثمانيين منها، بل و من أوربا و إعادة إحياء مجد بيزنطية)".
في القرن 15م، نمت القوى الأوربية، وتشكلت دول قوية كإسبانيا و البرتغال، وراحت تسعى للهيمنة الاقتصادية عن طريق السيادة على البحــار وسقطت غرناطة أخــــر معاقل المسلمين في إسبانيا عام 1492، ولكن السياسـة الإسبانية كانت ترمـــــي إلى احتلال السواحل الإسلامية المغـــربية و الجـــزائرية و التونسية. المرجع: محمد سهيل - تاريخ العثمانيين.
في 1460 م فتح السلطان محمد الثاني شبه جزيرة المــورة حيث كانت للبندقية مراكز تجارية هامة، ونشبت بين الطرفين حـرب طويلة قاسية عرفت في التاريخ بالحرب الكبـرى، استمرت 16 عاما 1463- 1479. و الأسباب الحقيقية هي الفتح العثماني للقسطنطينية و إغلاق العثمانيين المضائق في وجه سفن البندقية، و حيازة العثمانيين على قوة عسكرية و اقتصادية .
في جويلية 1682، ظهر العثمانيون أمام مدينة "فـيـيـنـــا" وضربوا الحصار عليها، واستولوا على قلاعها الأمامية، ثم ضربوها بالقنابل، ما ضايق المحـاصرين حتى انهارت معنوياتهم، وأصرّ الوزير العثماني على استسلام المدينة دون قيد أو شـرط. و أضاع كثيرا من الوقت في المناقشات، ولم يدركوا أ ن جيوشا أوروبية كانت في طريقها إليهم لتخليص فيينا من محنتهم.
- المرجع: محمد سهيل - تاريخ العثمانيين.
تميزت علاقات العالم الإسلامي بهذه الدول بالتوتر و العداء المستمر، بدليل الحروب العديدة بين الطرفين، بسبب :
- الإحساس بخطر التهديد الإسلامي لها، (تهديد العثمانيين لأراضيها، حيث حاصروا فيينا عاصمة النمسا لمرتين 1529 و1683، واخضعوا عدة أراضي كانت تابعة لهم البلقان، الأندلس، جزيرة قبرص ،شبه جزيرة المورة).
- رغبة هذه الدول في التوسع على حساب العالم الإسلامي.
- رغبتها في السيطرة على البحار، والمضايق البحرية الإسلامية (البحرين الأسود و المتوسط، مضيقي البوسفور و الدردنيل).
- الرغبة في طرد المسلمين من أوروبا و الانتقام منهم.
- ادعاء روسيا بحق وراثة الإمبراطورية البيزنطية.
2 ـ مع فرنسا و بريطانيا :
"تقـّربت فـــرنسا من الدولة العثمانية للمحافظة على صداقتها بهدف الاستعانة ببحريتها القوية عند الحــــــاجة، بالإضافة إلى الفــوائد الاقتصادية و الدينية بجعل كافة النصارى الكاثوليك النازلين في أراضي الدولة العثمانية تحت حماية فرنسا. تعد معــاهدة 1535 م المبرمة بين الدولتين العثمانية و الفرنسية مقدمة لقيام تحالف سياسي عسكري بين الطرفين. و تجلى أثره في اتفاقهما على مواجهة إيطاليا، و زيادة التعاون بين الأسطولين العثماني و الفرنسي في البحر الأبيض المتوسط".
"بعد الخسارة التي منيت بها بريطانيا في أمريكا عام 1783، وجدت التعويض الواسع من الأسواق و المادة الخام في الوطن العربي الإسلامي. ركز الإنجليز جهودهم على المشرق خاصة لأنّه طريق الهند". سيف الدين - أطلس التاريخ الحديث.
تميزت علاقاتهما بالعالم الإسلامـي في البداية بالودية والصداقة بحثا عن مصالح و امتيازات في أقطار العالم الإسلامي. إلا أن هذه العـلاقات دخلت مرحلة التوتر بعد مؤتمــر برلين الأول سنة 1878، حيث قامت رفقة دول أوروبية أخرى بتقسيم أملاك العـالم الإسلامي فيما بينها.
3 ـ مع ألمــــانـيا:
نتيجة للتطورات السياسية التي شهدتها الدولة العثمـانية بعد مؤتمر برلين، أدرك السلطان عبد الحميد الثاني أنّه بحاجة ماسة إلى قـوة أوربية تقف إلى جانبه لمقاومة مؤامرات انجلترا، فرنسا و روسيا المكثفة على الدولة. و اعتقد أنّ ألمــانيا لا تبغي السيطرة و الاحتــلال وكانت ألمانيا بعد وحدتها تبحث عن مجالها الحيوي فوجدته في الدولة العثمانيــة. و اعتقد القيصر الألمــاني بضرورة تقوية العلاقات معها لحلّ مشكلات ألمانيا الاقتصادية لا سيما و أن إنتاجها الصناعي في تزايد مستمر وتجارتها في توسع، و أضحى مستقبلها الاقتصادي مرتبطا بمقدرات إستمبول. رحّب السلطان عبد الحميد بسياسة التقـــارب مع ألمانيا، وكانت تحدوه رغبة قوية في الحــدّ من نفـــوذ الدول الأوربية الثلاث - المرجع: محمد سهيل - تاريخ العثمانيين.
بعد أن حققت وحدتها القومية (1871)، تقــربت من الدولة العثمـانية و أقامت علاقات صداقة معها بهدف الحصول على مزايا اقتصادية في العالم الإسلامي.
مظاهر ونتائج اختلال التوازن بين الشرق الإسلامي و الغرب المسيحي
إنّ الزيارة الهائلة في قدرة و اقتدار البلدان الأوربية التي أخذت تتّم لها الغـلـبـة على العالم الإسلامي منذ بداية القرن 19 إنّما تعود بأسبابها إلى الثورة العلمية التي شهدها القرن 17 م، و إلى الثورة الصناعية المتولّدة عنها. قبل منتصف القرن 17 م كانت الحضارتان الغربية و الإسلامية على قدم المساواة نسبيا عسكريا و اقتصاديا لكن بحلول العام 1800 م كان الميزان قد مال على نحو حاسم و دائم لصالح ما صار ينظر إليه على أنّه الغرب). المرجع: الأطلس التاريخي للعالم الإسلامي - ماليز روثقن.
تلقت التجـارة العـربية و الإسلامية ضربة مميتة على يدّ البرتغاليين، ذلك أن اكتشاف رأس الرجاء الصــالح عام 1498 م على يدّ " فاسكو دوجاما " فتح طريقا جديدا بين أوربا و الهند، و بالتالي خسر العرب و المسلمون دورهم في التجارة الدولية. كما فقد البحر الأحمر أهميته كطريق رئيسي بين الشرق الأقصى و أوروبا، و خسرت دولة المماليك في مصر و الشام موردا ضخما من مواردها الاقتصادية). المرجع - مجلة العربي العدد 605 - عادل زيتون.
1ـ مظاهر اختلال التوازن:
في الشرق الاسلامي:
- الجمود الفكري و الحضاري.
- تراجع النشاط الاقتصادي.
- تغلب الطابع التقليدي للوسائل المستعملة في الأنشطة الاقتصادية.
- فشل حصار فينا سنة1683.
- طرد السفن العثمانية (الإسلامية) من المحيط الهندي.
- عدم مشاركة العالم الإسلامي في التجــارة النشيطة في المحيطات و اقتصار نشــــاطها في البحر المتوسط.
- ضعف الجيوش، وتراجع الأساطيل البحرية.
في الغرب المسيحي:
- التطور الفكري و الحضاري " النهضة"،تطور النشاط التجاري.
- تنامي القوة الاقتصادية،
- الانقلاب الصناعي "الثورة الصناعية".
- القيام بعدة كشوفات جغرافية،.
- قوة اليوش و تطور الأساطيل البحرية.
2ـ نتائج اختلال التوازن:
ضمنت الدولة العثمانية للأجانب على أرضها الحرية الشخصية، و حرية ممارسة الشعائر الدينية، و قد أذنت هذه الاتفاقيات للدول الأوربية إقامة سفراء و قناصل، و أجازت لهم الإشراف على مواطنيهم و حلّ النزاعات و الخصومات التي قد تنجم بينهم... و بذلك لم يعد الأجانب خاضعين لسلطة الحكام المحليين و أضحى الرعايا الأوربيون في الدولة يتمتعون بحصانة أعفتهم من الخضوع للسلطات العثمانية، و جعلتهم طبقة مستقلة ترى نفسها فوق القوانين المرعية، و أصبحوا يشكلون حكومة داخل الحكومة العثمانية. فبسطت فرنسا حمايتها على الكاثوليك، وروسيا حمايتها على الأرثوذكس و بريطانيا حمايتها على الدروز.
وتزايد خطر البعثات التنصيرية على ولايات الشـام في القرن 19 م، فقامت فيها الثورات الداخلية و النزاعات الطائفية مشكلة تهديدا حقيقيا للبلاد، و نجحت هذه الدول في سلخ أجزاء واسعة من ممتلكاتها في أوربا و أسيا وإفريقيا. كما عانت من التأثيرات السلبية لأعمال هــــذه البعثات التي أسهمت في إذكاء حدّة التعصب الديني بين الطوائف النصرانية و بينها و بين المسلمين. ممّا دفع الدول الأوربيـة في أن تتخذ من التنصير ذريعة لإنشاء مراكز قوى لها داخل ولايات الدولة العثمانية، ما كان سببا من أسباب انهيارها. المرجع السابق.
في الشرق الاسلامي:
- تدهور الأوضاع العامة.
- منح امتيـــازات لدول الغــــرب المسيحي في أراضي العالم الاسلامي شكلت خطرا عليه ( كمنح شركــة لانش الفرنسية امتياز صيد المرجان في الساحل الشرق للجزائر سنة 1561 - امتياز حفر قناة السويس 1854 ـ 1856).
- نشاط عملية التبشير داخل اقطاره.
- الضعف والتراجع في شتى الميادين.
- فقدانه لمكانته الريادية، و لزمام المبادرة.
- الهزائم المتتالية للجيوش (ليبانت1571، نفارين 1827).
- تعرضه للتدخل في شؤون دوله الداخلية.
- تعرض اقطاره للاستعمار الأوروبي الحديث " تقسيمها".
في الغرب المسيحي:
- حصول دوله على امتيازات مهمة في دول الشرق الاسلامي.
- نشر ديانته المسيحية على حساب الاسلام.
- القوة و التفوق على الشرق الاسلامي، وأصبحت زمام المبادرة بيد دوله.
- التفوق على الجيوش الاسلامية في عدة معارك.
- تحسن الظروف العامة في بلدانه.
- خدمة مصالح دوله عن الطريق فرض ضغوطات على دول الشرق الاسلامي.
- استعمار دول الشرق الاسلامي و نهب خيراتها.
التدخل الأجنبي في شؤون المنطقة و مظاهره
استعملت الدول الأوربية المسيحية عدة وسائل للتدخل في شؤون العالم الإسلامي، منها:
- البعثات التبشيرية.
- دعم الحركات الانفصالية داخل العالم الإسلامي(دعم الدول الأوروبية الكبرى لأقطار البلقان للانفصال عن الدولة العثمانية).
- الامتيازات: كمنح شركة لانش الفرنسية امتياز صيد المرجــان في الساحل الشرق للجزائر سنة 1561، وامتياز حفر قناة السويس 1854 ـ 1856 لفرنسا، ثم بريطانيا.
- تقديم القـروض لإيقاع أقطار العالم الإسلامي في فخ الديون(تونس 1870،مصر 1875).
- الإشراف على مصالح الجاليات الأوروبية في العالم الإسلامي.
- خضوع الأوروبيين القاطنين في العالم الإسلامي لقوانين بلدانهم الأصلية.
- التحكم في المعابر البرية و البحرية.
- إقامة مراكز عسكرية لحماية مصالحهم في العالم الإسلامي ،
- تقسيم أملاك العالم الإسلامي.
- إثارة الفتن الداخلية.
مفاهيم المصطلحات وشخصيات الوضعية
- العلاقات الداخلية:الروابـط بين دولة ما و الأقطار أو الأقـــاليم التابعة لها .
- الخلافــــة: نظــام حكم أوجده المسلمــون بعد وفاة الرسول، لتسيير شؤونهم.
- العلاقات الخارجية: الروابـط بين دولة ما و الدول الأخـرى، تبنى على الـــود و التعــاون أو على التوتـر و الصـراع.
- الحـــروب الدينيــة: حروب اندلعــت لأسبــــاب دينية ، كالحــروب الصليبية التي أثارتها اوروبا المسيحية على العــــالم الاسلامي بين القرنين 11 و 13 م.
- الرجل المريض: لقب أطلقــــه قيصر روسيا " نيكولا الثاني " على الدولة العثمــانية لضعفها
- الشـــرق: مصطلح جغـرافي ذو دلالة سياسية، يطلق على دول العـالم الإسلامـي، لوقوعها في شــرق الكرة الارضية.
- الغــــرب: مصطلح جغـرافي ذو دلالة سياسية، يطلق على دول االمسيحية الواقعــــة معظمها في غــرب أوربا.
- الامتيازات: حقــــوق ومصالح تحصلت عليها الدول الكبـــرى في أقطار العــالم الإسلامـــــي اثــر التوقيـــع على معــاهدات وفي فترات مختلفة.