recent
أخبار ساخنة

الانشطة التعلّمية في تعليم وتعلّم التاريخ والجغرافيا

الأنشطة التعلمية في تعلم وتعليم التاريخ والجغرافيا

 


محاولة في تأصيل ممارسة بيداغوجية تجديدية ...  قطعا مع الطرائق التقليدية في التعليم والتي ظلت مهيمنة على الممارسة البيداغوجية لعقود. فشرط الطرق النشيطة هو البناء الذاتي للمعارف والاكتساب الذاتي للمهارات والسلوكات والمواقف والاتجاهات، وشرط تحقق هذا الاكتساب هو السمة "الاجتماعية" للتعلم، وشرط تحقيق هذه السمة الاجتماعية للتعلم هو "التعلم في مجموعات" الذي يتيح المجال للصراع العرفاني صلب مجموعة المتعلمين.

مدخل

1-الواقع أن اعتماد هذه الطرائق تحول إلى مطلب بيداغوجي فرضته تحولات متسارعة لم تشمل فقط التعلمات في مقاصدها ومضامينها وطرائقها وتنظيماتها بل شملت كذلك المتعلم في ملامحه وفي انتظاراته (2) كما شملت أيضا محيط التعلم بالمعنى الشامل: تغير في القيم وفي العلاقات الاجتماعية وفي البنى الاقتصادية وفي خارطة المهن ما أفضى إلى تغير في طلبات المجتمع ومؤسساته من جهة وتغير في منزلة المعرفة وفي وسائل اكتسابها ومعالجتها وتملكها وتوظيفها من جهة ثانية.

2- وعلاوة على ما تقدم، فإن هذا التوجه الصريح صوب الطرائق النشيطة يندرج ضمن اختيار معلن لتيار بارز في علوم التربية وهو النظرية البنائية والبنائية الاجتماعية منها تحديدا. وتشكل هذه المرجعية الفكرية تحوّلا حاسما في تاريخ التعليم في الجزائر، إذ ترتبط بما شهده المجتمع الجزائري من تحوّلات حقيقية وتدفع في اتجاه ترقية نوعية التعلم بالتركيز على الطرائق وأصبح المطلوب أن يتعلم المتعلم " كيف يتعلم" - بما يمنحه الاستقلالية في التعاطي مع المعرفة والقدرة على التعلم الذاتي في واقع يشهد تعدد مصادر هذه المعرفة وتنوعها - بدل التركيز على كم المعارف أو ما يعرف " بحشو الأدمغة".

3- هل يعني ذلك أن الطرائق النشيطة كانت غائبة عن الممارسة المهنية للمعلم قبل هذه الفترة؟

لم تخل المدرسة من تجارب تعليمية تقوم على الطرائق النشيطة، غير أنها لم تكن مقصودة بذاتها بقدر ما كانت ممارسات مهنية شخصية ترتبط خصوصا بالفهم الذاتي من قبل المعلم للواجب وتصوره الذاتي لقيمة العمل في نحت منزلته الذاتية في مجتمع ينمو ويتطور باستمرار كما يرتبط بتقديره الشخصي لرسالة المربي. وبمعنى آخر كان اعتماد هذه الطرائق النشيطة، إلى زمن غير بعيد، يرتبط بتجارب مهنية ذاتية تقوم على ممارسة بيداغوجية تطمح إلى تحقيق نجاعة عالية، أكثر مما يرتبط بإرادة جلية في الانخراط في الطرائق النشيطة بما هي ممارسة بيداغوجية تجديدية تستمد مشروعيتها من نصوص قانونية أو مرجعية نظرية في ميدان علوم التربية.

4- ولقد شكل التحوّل من بيداغوجيا الأهداف إلى بيداغوجيا الإدماج رهانا جوهريا للمدرسة في السنوات العشر الأخيرة. وأسهمت برامج التكوين المستمر بشقيه الحضوري وعن بعد في إشاعة ثقافة التجديد البيداغوجي ويسرت انخراط المدرسين، وإن بدرجات متفاوتة، في المقاربات البيداغوجية النشيطة والتجديدية. ولا شك في أن هذا التحول من مقاربة بيداغوجية - طالما قيدت السلوك البيداغوجي للمدرس سواء في مضمون التعلمات أوفي أهدافها أو في تمشياتها- إلى مقاربة بيداغوجية تنبني أساسا على تحرير مبادرة المدرّس وتفتح أمامه باب الاجتهاد، يطرح صعوبات جمة عند التنفيذ ويخلق مشاكل لا حصر لها لعل أهمها يتعلق بالتمشيات البيداغوجية وتحديدا بهندسة التعلم النشيط :تصور أنشطة التعلم وإعدادها وإنجازها واستثمارها في بناء الدرس.

5- تقترح هذه الورقة الإحاطة بموضوع نشاط التعلم كممارسة بيداغوجية تجديدية مستحدثة تتسق واختيارات المناهج الرسمية في التاريخ والجغرافيا مقاصد وتمشيات وقدرات، فتتعرّض إلى ماهية نشاط التعلم وإلى هندسته وتنتهي بالتوقف عند بعض المحاذير والصعوبات التي تترتب عن توظيف الأنشطة في تعلم وتعليم التاريخ والجغرافيا. كما تهتم بصفة حصرية بالجوانب التطبيقية الميدانية لهذه الممارسة البيداغوجية التجديدية ، وهو اختيار إرادي ينبع من قناعة تؤكدها التجربة الميدانية يوما بعد يوم مفادها أن المدرس في حاجة لمن يساعده على تجاوز "صعوبات الفصل" وتلك واحدة من المهام الأساسية للمتفقد البيداغوجي، أكثر مما هو في حاجة إلى من يستعرض أمامه نظريات علوم التربية لقدرته – بحكم تكوينه العلمي- على الاطلاع عليها في سياق التكوين الذاتي.

ولا بد من الإشارة إلى أن مضمون هذه الورقة هو حصيلة التجريب الميداني للتعلم بالأنشطة في تعلم وتعليم التاريخ والجغرافيا لمدة امتدت على خمس سنوات وذلك تنفيذا لمقتضيات البرامج الرسمية والمشار إليها في مقاصد تدريس المادتين و في القدرات المستهدفة و في التمشيات البيداغوجية المصاحبة لشبكة المضامين المعرفية. وقد مكنت هذه التجربة التي انخرط فيها المدرسون بحماس واستفادوا في إطار تنفيذها من أنشطة تكوينية متعددة تراوحت بين الحلقات التكوينية (6) والدروس الشاهدة من تطوير المقاربة النظرية والتطبيقية لمسألة التعلم بالأنشطة في تعلم وتعليم التاريخ والجغرافيا.

1- مفهوم نشاط التعلم

النشاط التعلمي هو مهمة ذات طابع إدماجي تتعلق بمعارف أو مهارات حسية - حركية تنجز من قبل المتعلمين بصفة مجموعية أو فردية في حيز زمني محدد في إطار تعلم مدرسي يرافقهم فيه المعلم. وتتوج هذه المهمة بإنتاج مادي يمثل حلا للمشكل المطروح، يتم استعراضه ويعالج بالتصويب والتدقيق من قبل المعلم والمتعلمين وتوظف حصيلته ضمن الأثر المادي للدرس.

2- أركان نشاط التعلم

يتكون النشاط التعلمي من الأركان التالية:

- السندات: هي مجموعة من الوثائق المتنوعة تربط بينها فكرة ناظمة تمثل تعلما أساسيا في الدرس سواء تعلق الأمر بمادة معرفية أو بمهارة حسية - حركية ( بناء سلم زمني، تحويل معطيات إحصائية إلى رسم بياني، إتمام خريطة نصف جاهزة......) أو ببناء موقف أو تبني سلوك أو اتجاه. ويرتبط عدد السندات بطبيعة الوثائق المقترحة ضمن النشاط والتوقيت المقرر لإنجازه وفي كل الأحوال تظل قابلية الإلمام بها قراءة وملاحظة ومساءلة شرطا محددا لعددها.

- التعليمات: تتضمن المطلوب من المتعلمين في النشاط وتحدد التمشي المطلوب في بناء الإجابة. وتختلف التعليمة عن السؤال العادي في كونها تتضمن التمشي المطلوب في بناء الإجابة أو تقترح كيفية بناء الإجابة: تعمير جدول تلخيصي، تحرير فقرة وجيزة.....تحويل جدول إحصائي إلى رسم بياني...إلخ. ويرتبط عدد التعليمات بطبيعة المعرفة أو المهارة موضوع النشاط ، كما يرتبط بالمدة الزمنية للنشاط بما يضمن قابلية الإنجاز ويستحسن أن لا يتعدى عددها الثلاثة في أقصى الحالات.

- مدة النشاط: لا يقل التوقيت المخصص للنشاط عن 15 دقيقة في كل الأحوال وهو يرتبط بعدد الوثائق وعدد التعليمات وبطبيعة الإنتاج المنتظر.
- طريقة العمل: يكون التعلم فرديا إذا تعلق النشاط بمهارة حسية - حركية: بناء سلم زمني، تحويل جدول إحصائي إلى رسم بياني ، إتمام خريطة نصف جاهزة...ويكون مجموعيا إذا تعلق بغير ذلك من المسائل المعرفية التي تعتمد قدرات عرفانية مثل التحليل والتأليف والمقارنة والترتيب....وكل ما يتطلّب تداولا للرأي و يتيح صراعا عرفانيا بين المتعلمين....

- الإنتاج المنتظر: يتم تحديده بدقة: تعمير جدول تلخيصي مع تقديم نموذج الجدول، إتمام خريطة نصف جاهزة مع تقديم نموذج الخريطة، تحرير فقرة إنشائية....إلخ.
- تمثل أركان النشاط التعليمي – التعليمي عقدا واضحا بين المعلم والمتعلم يضمن وضوح المطلوب وحسن التصرّف في زمن التعلم والجدوى المرجوة من النشاط.
- لضمان أوفر حظوظ الجدوى والنجاعة للنشاط يستحسن إحكام تنزيله ضمن زمن التعلم بما ييسر استعراض إنتاج الفرق وتوظيفه ضمن الأثر المادي للدرس والمحافظة على وحدة التعلم، كما يستحسن قراءة الوثائق وتقديمها – عند الضرورة- وتذليل ما تتضمنه من صعوبات قبل انطلاق النشاط.

3 - مواصفات نشاط التعلم

  • الارتباط بالبرنامج الرسمي وبالدرس.
  • الارتباط بالأهداف التي حددها المعلم للدرس ( المعرفية/ المهارية/ السلوكية- الوجدانية).
  • الارتباط بتعلم مركزي في الدرس سواء تعلق الأمر بمعرفة أو بمهارة أو مواقف و اتجاهات.
  • أن يتحقق فيه التوافق بين الطريقة البيداغوجية وبين المضمون المراد التوصل إليه سواء كان معرفة أو مهارة أو سلوكا...
  • قابلية الانجاز في التوقيت المقرر له.
  • أن تكون الصعوبات التي يتضمنها في مستوى المتعلم المتوسط.
  • أن يكون ذا صبغة إدماجية ، يمكن المتعلم من تعبئة مكتسباته لحل المشكل المطروح عليه.

4 - وظائف نشاط التعلّم

  • تدريب المتعلمين على حل المشكلات بجهد ذاتي وتشاركي.
  • تدريب المتعلمين على الاشتغال على الوثائق بمختلف أنواعها.
  • تنشيط الفصل.
  • تدريب المتعلمين على العمل التشاركي.
  • تدريب المتعلمين على القبول بالرأي المخالف واحترامه.
  • تدريب المتعلمين على البناء الذاتي للمهارات والبناء المجموعي / التشاركي للمعارف والسلوكات.
  • تدريب المتعلمين على حسن التصرف في زمن التعلم.

II - في هندسة نشاط التعلم

1- بناء نشاط التعلم:

يندرج بناء نشاط التعلم ضمن إعداد الدرس الذي هو من مشمولات المدرس، ويمر بالمراحل التالية:
  • ضبط الأهداف المعرفية والمهارية والسلوكية – الوجدانية للدرس.
  • اختيار المقطع التعلمي الذي يندرج فيه النشاط في علاقة بأهداف الدرس وبتعلماته الأساسية معارف ومهارات.
  • اختيار السندات وضبط التعليمات ومدة الإنجاز وطريقة العمل والإنتاج المنتظر.
  • مراعاة المواصفات المذكورة سابقا ( أنظر الفقرة الفرعية 2).

2- إنجاز نشاط التعلم واستثماره:

أ- الانجاز

  • يتولى المدرس إثبات أركان النشاط على السبورة في القسم المخصص للتمشي البيداغوجي ويتولى المتعلمون - في نفس الوقت-نقلها على كراساتهم في القسم المخصص للأنشطة.
  • تتم قراءة الوثائق كاملة من قبل المدرس وتذليل ما تتضمنه من صعوبات قبل انطلاق الاشتغال على النشاط من قبيل التعريف بالأعلام والمؤلف عند الضرورة...
  • يدعى المتعلمون إلى التقيد بالتوقيت المحدد للنشاط.
  • يرافق المدرس المتعلمين أثناء اشتغالهم على النشاط، وتتخذ المرافقة أشكالا متنوعة: توجيه المتعلمين إلى مراكز الاهتمام في النشاط، حثهم على العمل التشاركي، تذكيرهم بالتوقيت، مناقشة بعض الأفكار التي يتم التوصل إليها دون تمكينهم من الإجابات النهائية....إبداء ملاحظات فردية و/ أو جماعية عند الضرورة....

ب- التوظيف في الأثر المادي للدرس

يمثل استعراض الإنتاج الفرقي وتوظيفه في الأثر المادي للدرس محطة مهمة في إنجاز النشاط التعلمي، واعتبارا لتعدد الفرق واعتبارا لوجود أكثر من تعليمة واعتبارا لضغط الوقت، يعتمد المدرس الطريقة التالية:
  • تقسيم استعراض الإجابات حسب التعليمات وذلك تيسيرا للعمل وضمانا لوضوح الأفكار التي يتم استنتاجها وضمانا لحسن التصرف في زمن التعلم.
  • الاكتفاء باستعراض إنتاج فريقين أو ثلاثة فرق شريطة عدم تكرار الإجابة إذا تبين أن نفس الإجابة متوفرة لدى كل الفرق.
  • اعتماد طريقة التدوين الفوري للإجابات التي يحصل حولها إجماع شريطة أن تكون سليمة وتفي بالغرض.
  • فتح باب الحوار كلما تعلق الأمر باتخاذ موقف أو بنقض/ تعزيز رأي بما يمكن المتعلمين من التعبير عن آرائهم والدربة على بناء الحجة أو نقضها.

خاتمة

لا يخلو التعلم بالأنشطة من صعوبات حقيقية تفرضها أهداف الدرس ( المعارف والمهارات والسلوكات) وواقع اكتظاظ الفصول وضغوطات توقيت التعلم، ولكن مخاطر أخرى تتهدد الجدوى من أنشطة التعلم:
  • فالتزمين مهم للغاية: إذ يجب أن يتم النشاط التعلمي بكامله إنجازا واستعراضا في الحصة الواحدة بما يضمن وحدة التعلم... وبهذا الشكل يستحسن أن يتوسط حصة التعلم.
  • وجاهة التعليمات ووضوح المطلوب: يعد هذا الأمر شرطا ضروريا لإنجاز النشاط التعلمي في الحيز الزمني المخصص له ويجب أن تتركز التعليمات على المعارف/ المهارات/ السلوكات الأساسية في التعلم وهي محددة أصلا ضمن الأهداف.
  • مخاطر الارتداد إلى الاستجواب: فقد بينت تجربة التعلم بالأنشطة في بداياتها على الأقل أن الارتداد إلى الاستجواب هو من أكبر المخاطر التي تتهدد هذا التمشي. وكثيرا ما يعمد المدرس إلى ترك التعليمات وإجابات الفرق جانبا ويطرح أسئلة جديدة معتمدا الطريقة الاستجوابية وفي هذا الأمر هدر جلي للوقت وضرب في الصميم لمفهوم العمل التشاركي وهو أمر لا بد من تجنبه في كل الأحوال.
وإذا استثنينا هذه المخاطر والمحاذير التي يتطلب تجنبها إعدادا محكما للدرس وتركيزا عاليا من قبل المدرس، فقد أثبت التعلم بالأنشطة أنه كفيل بخلق مناخ جديد وجذاب داخل الفصل يصبح فيه المتعلم " محور العملية التربوية" فعلا ويتحول فيه المدرس إلى مرافق ومساعد ووسيط...كما أنه ييسر إرساء تواصل أفقي مفتوح ومثمر للغاية يشحذ دافعية التعلم ويبشر بتعلم نشيط ومغاير.

*********

الهوامش

حول بيداغوجيا الإدماج، أنظر: 
Xavier Rogiers, Une pédagogie de l’intégration. Compétences et intégration des acquis de l’enseignement. Bruxelles, De Boeck, 2000 .

********************************

google-playkhamsatmostaqltradent