الإشـكـالـية: اتفاقيات إيفيان 1960 - 1962
إشكالية اتفاقيات ايفيان نتاج المفاوضات الجزائرية - الفرنسية التي تعود بدايتها إلى سنة 1956، ولكنها لم تعرف النجاح إلا في سنة 1962، والتي انتهت بالاتفاق على وقف إطلاق النار ليوم 19 مارس 1962
وفد جبهة التحرير الوطني بقيادة كريم بلقاسم |
تمهيـد ودوافع الطرفين في التفاوض
مفهوم المفاوضات:
هي صيغة دبلوماسية لحل مشكلة أو أزمة وهي عبارة عن لقاءات سرية أو علنية تجمع ممثلي الطرفين المتنازع. وبذلك تعتبر إتفاقيات إيفيان بمثابة مفاوضات تمت بين الجزائر و فرنسا بين 1956- 1962 ومن خلالها تحصلت الجزائر على استقلالها من فرنسا.
2 - دواعي قبول فرنسا المفاوضات:
- قوة وانتصارات الثورة عسكريا وسياسيا.
- تعثر الدبلوماسية الفرنسية.
- تعذر انتصار العسكري للجيش الفرنسي وارتفاع نفقات الخزينة الفرنسية .
- انتقال الثورة إلى فرنسا.
- الاضطراب السياسي في فرنسا.
- ضغوط الرأي العام العالمي والداخلي على الحكومة الفرنسية.
- مظاهرات 11 ديسمبر والتفاف الشعب الجزائري حول الثورة.
3 - دوافع الطرف الجزائري:
- مبادئ ومحتوى وبيان أول نوفمبر الذي فتح باب التفاوض.
- طول فترة القتال.
- الظروف المزرية التي كان يعاني منها الشعب الجزائري.
- ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية.
- بروز بعض الخلافات بين الثوار.
مراحل المفاوضات الجزائرية - الفرنسية
رسمت جبهة التحرير الوطني أهدافها، و معالمها ، ووسائلها، من خلال بيان أول نوفمبر 1954 :
وفي الأخير ،وتحاشيا للتأويلات الخاطئة، وللتدليل على رغبتنا الحقيقية في السلم وتحديدا للخسائر البشرية وإراقة الدماء فقد أعددنا للسلطات الفرنسية وثيقة مشروعة للمناقشة إذا كانت هذه السلطات تحذوها النية الطيبة، وتعترف نهائيا للشعوب التي تستعمرها بحقها في تقرير مصيرها بنفسها... فتح مفاوضات مع الممثلين المفوضين من طرف الشعب الجزائري على أسس الاعتراف بالسيادة الجزائرية وحدة لا تتجزأ. من بيان أول نوفمبر 1954
المفاوضات الســـــرية (1956 - 1960)
ومن هذا المنطلق كان أسلوب ومنهج جبهة التحرير الوطني واضحًا من حيث الموازنة بين العمل العسكري في الداخل والنشاط السياسي والدبلوماسي، فلم تكد تمر ستة أشهر من عمر الثورة حتى دوى صيتها في الكثير من المنابر والمحافل، الدولية بما أتاح تدويل القضية الجزائرية من خلال تمثيلها بوفد في جلسات أشغال مؤتمر باندونغ، وفي المقابل لم تغفل عن إيجاد الإطار الملائم لفتح باب التفاوض التزاما بما تضمنه بيان 1نوفمبر 1954. في هذا الإطار الذي رسمه البيان ، حرصت جبهة التحرير الوطني على إبقاء باب الاتصالات مفتوحاً وممكناً واستجابت لجميعها بما في ذلك الاتصالات السرية - على الرغم من سوء نية الطرف الفرنسي، الذي وجد فيها مجالاً لجس النبض، و التنقيب عن مكامن الضعف وايجاد أساليب لضرب الثورة في الداخل والخارج . على أن سلسلة الاتصالات تواصلت و تكررت في فترات متقطعة ما بين سنوات 1956 - 1959 دون أن تحقق نجاحاً يذكر، ويعود ذلك إلى عدم جدية الطرف الفرنسي، الذي كان يفضل إدراج الاتصالات ضمن استراتيجية الحلّ الأمني العسكري . مما جعلها لا تعدو سوى مناورات سياسية ترمي إلى مساومة قادة الثورة ، وحملهم على قبول فكرة إيقاف القتال أولاً ،وبعدها إجراء انتخابات ينبثق عنها ممثلون للتفاوض مع فرنسا. ومن جانب آخر أكدت الثورة الجزائرية بما لا يدع مجالاً للشك صمودها من خلال انتصاراتها العسكرية على الجيش الاستعماري، ونجاحها في إخراج القضية الجزائرية إلى حيّز أوسع من الحدود الوطنية والإقليمية وفرضها في المحافل الدولية، ، كما فضحت مناورات ديغول بكافة أشكالها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والمخططات العسكرية مثل سلم الشجعان -إيجاد قوة ثالثة ، مشروع قسنطينة،و مخطط شال - تقوية الأسلاك المكهربة على الحدود الاستعانة بقوات من حلف الأطلسي.
المفاوضات الرســمية (1960 - 1962)
في ظل الظروف الأنفة الذكر، ازداد الوضع السياسي والاقتصادي في فرنسا تأزماً بحيث لم يبق لديغول من مجال لقلب الهزيمة العسكرية إلى انتصار سياسي سوى الدعوة للشروع في مفاوضات مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ، وقد دعا بشكل رسمي وعلني عبر الخطاب الذي ألقاه يوم 14 جوان 1960 إلى الجلوس حول طاولة التفاوض.
1- محادثات مولان 25 - 29 جوان 1960
وبناءً على ذلك كلفت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية السيدين محمد الصديق بن يحي و أحمد بومنجل لاجراء محادثات بين 25 - 29 جوان 1960 بمدينة مولان الفرنسية مع الطرف الفرنسي. غير أنها باءت بالفشل بعد أن تأكدت نوايا فرنسا السيئة والخلافات الواضحة بين الطرفين حول العديد من القضايا التي أراد فيها الفرنسيون إملاء شروطهم سعيا للتعجيل بوقف إطلاق النار لا غير.ويقول فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية - في نداء وجهه للشعب الجزائري يوم 5/7/1960 - موقف حكومته من محادثات مولان:
فعندما اتخذنا في العشرين من يونيو الأخير قرارا يقضي بإرسال بعثة إلى فرنسا لم يفتنا أن نذكر بأن هناك خلافات كبرى بيننا و بين الحكومة الفرنسية ، و في مولان أتضح أن هذه الخلافات أكبر مما كنا نظن ... فلم يكن تقارب بين وجهات نظر الفريقين فحسب، وإنما وجد مبعوثانا نفسيهما أمام رفض بات للدخول في المفاوضات ... وحتى في المفاوضات تقف الحكومة الفرنسية موقف الاستعماري العنيد و ترفض كلية مناقشة الندّ للندّ.
وعليه تواصلت انتصارات الثورة - رغم الخسائر التي لحقت بها- بأن أفشلت مخطط شال، وفوتت الفرصة على ديغول ومشروعه "الجزائر جزائرية" بعد أن استجاب الشعب الجزائري لنداء الجبهة - أثناء زيارة دوغول للجزائر يوم 9 ديسمبر 1960-حيث خرج الشعب في أبهر صور التضامن والوطنية في مظاهرات 11 ديسمبر 1960 عمت مختلف مدن الجزائر من العاصمة، وهران، قسنطينة ، بجاية، البليدة. كما صعد جيش التحرير الوطني من كفاحه .أما على المستوى الخارجي فقد نشطت بعثات جبهة التحرير الوطني على جميع الأصعدة، مما أجبر حكومة ديغول على العودة إلى طاولة المفاوضات.
2- مفاوضات "لوسارن" بسويسرا في 20 فيفري 1961
بمساعي سويسرية ممثلة في شخص أوليفي لانغ تجددت اللقاءات بين وفدي الحكومة المؤقتة الجزائرية و الحكومة الفرنسية في لوسارن و نيوشاتل، جمعت أحمد بومنجل وأحمد فرنسيس و سعد دحلب بممثلي الحكومة الفرنسية براكروك ، ثم شايي .و لاحقا التقى جورج بومبيدو دولوس بالسيد الطيب بولحروف في نيوشاتل. ولكنها فشلت لتباين موقف الطرفين:
-آ - الموقف الفرنسي:
- الحكم الذاتي.
- تقسيم الجزائر عرقيا و دينيا.
- فصل الصحراء.
- الطاولة المستديرة (عدم الاعتراف بجبهة التحرير)
- اناء القوة الثالثة من العملاء والحركى.
- الهدنة قبل التفاوض.
-ب- الموقف الجزائري:
- السيادة الكاملة.
- الوحدة الترابية.
- وحدة الشعب.
- وقف إطلاق النار.
- جبهة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الجزائري.
3- ايفيان الأولى في 20 ماي 1961
كان من المرتقب إجراءها في 7 أفريل1961 لكنها تأخرت نتيجة وضع فرنسا السياسي الذي ازداد تأزما ، بالإضافة إلى رفض جبهة التحرير فكرة إشراك أطراف أخرى في المفاوضات عندما أفصح لوي جوكس في 31/3/1961 عن نية حكومة بلاده اشراك الحركة الوطنية الجزائرية (MNA بالإضافة إلى حادثة اغتيال رئيس بلدية ايفيان و ما تلاه من أحداث نتيجة الضغط الذي أظهره المستوطنون المتصلبون بمواقفهم المنادية بشعار "الجزائر فرنسية"، وقد ذهبوا أبعد من ذلك بأن أسسوا منظمة إرهابية: منظمة الجيش السري O.A.S . كما حاول أنصار الجزائر فرنسية من الجنرالات المتطرفين من أمثال صالان و جوهو و زيلر وشال الإطاحة بالرئيس ديغول في 22 أبريل1961 مما عرَّض المفاوضات إلى التأجيل إلى غاية يوم 20 ماي 1961 بمدينة ايفيان، أين إلتقى الوفد الجزائري المشكل من السيد كريم بلقاسم - محمد الصديق بن يحي - أحمد فرنسيس -سعد دحلب و رضا مالك و أحمد بومنجل بـ السيد لوي جوكس و كلود شايي و برونو دولوس … ورغم الجلسات المتكررة ما بين 20 ماي - 13جوان 1961 لم يحسم في القضايا الجوهرية إذ اصطدمت مرة أخرى بإصرار الطرف الفرنسي بمناقشة ملف وقف إطلاق النار بمعزل عن بقية الملفات، والمساس بالوحدة الترابية للجزائر في إطار سياسة فصل الصحراء، ومسألة محاولة فرض الجنسية المزدوجة للفرنسيين الجزائريين ، إلا أن الطرف الجزائري رفض المساومة على المبادئ الأساسية التي أقرها بيان أول نوفمبر 1954، الأمر الذي دفع بالسيد لوي جوكس رئيس الوفد الفرنسي تعليق المفاوضات يوم 13جوان 1961.
4- محادثات لوغران بين 20 - 28 جويلية 1961
أستؤنفت المحادثات في لوغران ما بين 20 - 28 جويلية 1961 لكن بدون جدوى مما جعل المفاوض الجزائري يبادر إلى تعليقها بسبب إصرار الحكومة الفرنسية على التنكر لسيادة الجزائر على صحرائها مروجة لمغالطة تاريخية مفادها أن الصحراء بحر داخلي تشترك فيه كل البلدان المجاورة وبهدف ضرب الوحدة الوطنية و إضعاف الثورة وتأليب دول الجوار عليها. و بذلك علقت المحادثات نظرا لتباعد وجهات النظر بين الطرفين لاسيما فيما يخص الوحدة الترابية. ولم تباشر الحكومة المؤقتة اتصالاتها إلا بعد أن تحصلت على اعتراف صريح في خطاب الرئيس الفرنسي شارل ديغول يوم 5 سبتمر 1961 ضمنه اعتراف فرنسا بسيادة الجزائر على صحرائها.
5- لقاء بـــال بسويسرا (أكتوبر - نوفمبر1961)
عبارة عن تحضير للمفاوضات و نوقشت فيه عدة قضايا منها مشكلة البقاء أو التواجد العسكري الفرنسي في المرسى الكبيرعلى إثر ذلك تجددت اللقاءات التحضيرية أيام: 28 - 29 أكتوبر 1961 ثم يوم 9 نوفمبر 1961 في مدينة بال السويسرية جمعت رضا مالك و محمد الصديق بن يحي وعن الطرف الفرنسي كلود شالي و برونو دولوس.
6- لقاء مدينة لي روس (11- 19 فبراير 1962)
التقى سعد دحلب بلوي جوكس في مدينة لي روس لدراسة النقاط الأساسية و مناقشة قضايا التعاون وحفظ النظام أثناء المرحلة الانتقالية ومسألة العفو الشامل. و بعد أن ضمن المفاوض الجزائري تحقيق المبادئ الأساسية و السيادية خلال المفاوضات التي جرت بـ لي روس ما بين 11- 19 فبراير 1962و مصادقة المجلس الوطني للثورة الجزائرية على مسودة محادثات لي روس أبدى استعداده للدخول في مفاوضات المرحلة النهائية.7 -مفاوضات ايفيان الثانية بين 7- 18 مارس 1962
بعد أن صادق المجلس الوطني للثورة الجزائرية على مسودة لي روس أعلنت الحكومة المؤقتة رغبتها في مواصلة المفاوضات رسميا في مدينة ايفيان الفرنسية أين التقى كريم بلقاسم و سعد دحلب و محمد الصديق بن يحي، و لخضر بن طوبال و امحمد يزيد و عمار بن عودة رضا مالك و الصغير مصطفاي بالوفد الفرنسي: لوي جوكس وروبير بيرون، و برنار تريكو و برينو دو لوس و كلود شايي والجنرال دو كماس، في جولة أخيرة من المفاوضات امتدت ما بين 7- 18 مارس 1962. توجت بإعلان توقيع اتفاقيات ايفيان و إقرار وقف إطلاق النار، و إقرار مرحلة انتقالية وإجراء استفتاء تقرير المصير. كما تضمنت هذه الاتفاقيات جملة من اتفاقيات التعاون في المجالات الاقتصادية و الثقافية سارية المفعول لمدة 20 سنة.قائمة المصادر و المراجع
01) شارل ديغول، مذكرات الأمل، التجديد 1958-1962، باريس 1970 .
02) الكتاب المدرسي السنة الثالثة ثانوي - وزارة التربية الوطنية الجزائرية.